الجذور العفنة لحرية المرأة في انجلترا

19/12/2003

 مراجعات حول قضية تحريرالمرأة

الجذور العفنة لحرية المرأة في انجلترا

 المُسَاوين والحَفّارين والصَخّابين  قدوة المرأة الشيوعية في بلاد المسلمين

 

كالببغاوات يحاكون ما يسمعون، أبواقاً لا تعي ما تسمع، لأنها لم تفهم ولم تستوعب تراث الأمة، وتطوعوا مختارين أن يضعوا في رقابهم طوق القياد، الذي يُسحبون منه إلى حيث يريد أسيادهم الذين استعبدوهم بشهواتهم وملذاتهم.

ولا شك أن الجهل بأصول الدين وأحكام الشرع، قد أسهما كثيراً في السقوط إلى هاوية الانحراف، الذي أنجب مواليداً سفاحاً من بطون غير طاهرة، ينتسبون إلى أمتنا، ويحملون أسماءنا، لكنهم أبداً لم يكونوا أولياء لها، ولم يعرفوا أن للإسلام قوانيناً تتجاوز قدسيتها العقول غير السوية، والمذاهب الوضعية التي جعلت من حاجات الإنسان ورغباته سيداً لا يرفض له أمر، ولا يؤجل لأهوائه قرار.

وواحدة من علامات السقوط الكبرى، تلك البدعة التي تنتقل في أيامنا من بلد إلى بلد من بلاد المسلمين، رافعة رايات إنقاذ المرأة من براثن الذكورة الشريرة، تحت شعار لئيم ارفعوا الحجاب عن العقل ، فرفعوه هم عن العقل والجسد دفعة واحدة.

دعوة خبيثة، لا تنتمي إلى مجتمعاتنا، إلا في صورة هؤلاء المشوهون الذين اعتنقوا التغريب فكراً وسلوكاً وعقيدة، بدعم سياسي ومالي وتعليمي من هيئة الأمم المتحدة، فالضرب والسباب والإيذاء واللكم والطرد والزنا وتجارة الجسد واستبدال الزوجات بالعشيقات وإيقاف المرأة دون طلاق لإذلالها أو تزويجها برغم إرادتها، والاختلاط وتبادل الزوجات وترويج الفحش وتقنين الدعارة و… و… كل ذلك ليس من ديننا، ولم يكن يوماً وصية نبوية (معاذ الله)، أو تفسيراً لآية في كتاب الله (أستغفر الله)، إنما هو كله، من صنيع الباطل وأهله، ومن تخطيط الغرب الصليبي والوثني وضلالاته، أمراض وعلل سعوا لنشرها بين قومنا، وبذوراً وضعوها في جوف أرضنا، من خلال إعلامهم وفضائياتهم ومناهجهم التربوية والتعليمية، واليوم حان وقت قطافها، بعدما نجحوا في إلصاقها بعقيدتنا الراقية، وكأنه منها، وليس منهم.

ونبش بعض القبور التي أخفوا فيها مصائبهم، وجثث ضحاياهم، ونفايات تاريخهم، كفيل بفضح عشرات الأسرار التي يعلمها عملاءهم الذين تربوا على أيديهم، أو أكلوا السم على موائدهم، قبل أن ينفثوه فينا.

ولعلكم سمعتم حتى الأمس، وقد يكون صباح اليوم، هؤلاء الغوغاء الذين تسللوا إلى بيوت الأمة، وكلهم اليوم يتربعون على رؤوس قاعات جامعاتها، ويتصدرون مناصب وزارات الثقافة والإعلام فيها، بل إن بعضهم اليوم يعتلي منابر المساجد ومآذنها، منادياً بتحرير المرأة، ومنحها حرية …. (ما يعيب اللسان نطقه)، وحرية الزواج والطلاق، وإباحة التعدد للمرأة كما هو في الإسلام مباح للرجل أو منع التعدد للطرفين على سواء، بل اشتطت واحدة من مصر في حضور واحدة من المغرب صفقت لها كثيراً عندما طالبت بـ المساواة بين الرجل والمرأة، في كل شيء، بما في ذلك ـ والقول قولها ـ الدورة الشهرية والحمل والإنجاب، وإلا فلا معنى للمساواة.

هكذا تراكمت تلال الإسفاف، ولهذا نبشنا واحدة من قبورهم التي دفنوا فيها أصول جرائمهم في شعوبنا.

يقولون أن النصف الثاني من القرن السابع عشر، وما تبعه من إرهاصات واكبت الثورة الإنجليزية، كان بحق هو فجر دعوة تحرير المرأة، حين تكالبت الفِرَق والشيع الكنسية والسياسية والقومية، لكسب تأييد التجمعات النسوانية وضمّها إلى صفوفها، حتى اضطرت بعض الكنائس أن تنسخ قوانينها وتُعدّل شرائعها إرضاء للمرأة، إلى أن منحتها حقوقاً لممارسة البغاء الرسمي فيما سمي بـ حرية الحب.

ووسط ضجيج وطبول الأحزاب السياسية والحرب الأهلية والصراع الوحشي بين المذهبيات الكنسية، كسبت الجمعيات النسوانية مساحة لا بأس بها من الجدل حول مساواة النساء وحول الأخلاقيات الجنسية، وتوالدت من أجلهن في قلب أوربا؛ ثلاث منظمات شيوعية: المساوين و الحفارين و الصخابين.

تركزت دعوة ليلبورن زعيم المساوين في الربط المباشر بين زواج المرأة من رجل واحد والملكية الخاصة، إذ رأى أن تحقيق الحرية والمساواة في العنصر الأول، لن يتحققا إلا بإلغاء كل صور الملكية الخاصة، باعتبارها مظهراً من مظاهر الرأسمالية المتوحشة.

وبرغم الوهج الذي حققته دعوة ليلبورن، فإنها لم تكمل من العمر عامين اثنين، ومن حطامها انبثقت حركة الحفارين الفقراء، التي نال زعيمها جيرارد وينستالي قدراً كبيراً من احترام وتقدير الحركات الشيوعية الأخري في انجلترا كافة، خاصة بعد أن توالت عشرات الكُرّاسات الفكرية التي أصدرها، للإعلان عن أفكار جماعته ومتابعة نشاطها وانتشارها السريع بين الفقراء في المجتمع الإنجليزي .

وفي خلال عام واحد، انضم إليه عدة آلاف من المناهضين لاستبداد الكنيسة، ومثلهم من جماعة المساوين (السابقة) – الذين استولت عليهم مرارة الهزيمة – متسابقين لدعم أفكاره.

رفع وينستالي شعاراً مخالفاً لجماعة المساوين، ونادى بالزواج الأحادي للمرأة والرجل، طلباً لاستقرار الأسرة الذي هو الطريق المستقيم لعلاج الفقر وتقليل عدد الضحايا.

لكنه كان حريصاً أيضاً على ألا يصطدم مع الرافضين للزواج الأوحد، باعتباره نوعاً من أنواع الاستغلال والسلطوية، خاصة من جانب الرجل، الذي تتاح له مساحة من الرزق أكثر من تلك المتاحة للمرأة، فوضع شرطاً للزواج الأوحد، أن يقوم هذا الزواج على حرية الطرفين، حريتهما في الاختيار وحريتهما من القيود الاقتصادية والقانونية.

بمعنى أن يكون الطرفان متساويان في اختيار: نوع العلاقة بينهما، ونوع العمل، وقيمة الأجر، والحقوق الاجتماعية، والحقوق السياسية، وحق الاقتراع والترشيح في الانتخابات، وصاغ فكرته هذه فيما أسماه >قانون الحرية الذي نصه: لكل رجل وامرأة، الحرية في الزواج ممن يحب أو تحب، إذا استطاع أن يحوز حب وقبول الطرف الذي يود الزواج منه، ولا يسمح بتعطيل هذا الزواج بالطلاق، حتى لو كان ذلك برغبة الطرفين أو أحدهما لأي سبب من الأسباب.

ولتيسير زواج المطلقات قبل هذا القانون، فسوف تكون المحلات الجماعية مفتوحة لأجلهن أمام كل رجل وكل فتاة، مجاناً للجميع على قدم المساواة ….، وإذا عاشر أي رجل واحدة منهن أو فتاة وحملت منه طفلاً، سيتزوجها، وليس من حق طرف منهما بعد ذلك التبديل في الأزواج … ولأن المرأة والطفل في هذه الحالة سيكونان هما المتورطان إذا ما مضى الرجل وتركهما بعد أن يكون قد قضى وطره، لذلك يجب على النساء أن تحاذرن، ففي هذا المسلك العربيد ـ هكذا نصاً ـ تكمن قوة تدمير المرأة والمجتمع، إذ تصبح المطالبة بالحرية هنا، نوعاً من الاستعباد الاختياري.

لكن دعوة الحفارين، برغم ما حققته من رواج وقبول، ولأسباب خفية غير واضحة، لم تر نور العام الثالث من نشاطها، وطفت على السطح، الجماعة الثالثة والأخيرة من أنشط الجماعات التي تَبَنّت فكرة حرية المرأة فى التاريخ الحديث لانجلترا، وهي جماعة الصخابين.

انفردت هذه الجماعة بوضوح معارضتها للزواج الأحادي باعتباره من أعتى القيود التي تُكبل حياة المرأة.

وعلى سبيل إعطاء القدوة وإعلان التحدي للسلطان الكنسي الذي يرفض دعاوى تحرير المرأة من هذا القيد الأبدي ـ حسب تعبيره ـ أصدر واحداً من زعمائها الكبار وهو جون روبينز قراراً يمنح تلاميذه وتلميذاته سلطة تغيير الزوجات والأزواج.

ورفع أبيزر كوب العضو البارز بالجماعة شعار اهجر أسرتك العفنة، تبرأ من التزاماتها .

ثم توالت أدبيات الصخابين تقول: إن الإنسان لا يمكن أن يتحرر من الخطايا إلا بعد أن يمارسها وكأنها ليست خطيئة، وأن الرجل الذي لم يعاشر كل النساء كما لو كن امرأة واحدة ودون أن يستشعر أن في ذلك خطيئة، فإن كل أفعاله تكون خطيئة وللمرأة مثل ذلك تماماً.

لكن لورانس كلاركسون زعيم الجماعة، خطى خطوات أكثر لرفع هذه الممارسات الجديدة إلى مستوى التنظير فيما أسماه نظرية الحرية الجنسية الكاملة.

وخَلِصَ كلاركسون في آخر كراساته الفكرية إلى أن ربط رجل واحد بامرأة واحدة، أو امرأة واحدة برجل واحد، إنما هو ثمرة اللعنة الإلهية التي تحررنا منها، وأصبحنا قادرين على أن نستعمل من نشاء، ثم يضيف فليس هناك فرق بين فعل الخيانة والصلاة، لأن كل الأفعال نقية، بما في ذلك الخيانة الزوجية بين أي زوجين.

وفي كراستهما مسألة المرأة يقول إدوار أفلنج وإليانور ماركس: إن كثيرون من المفكرين التقدميين (الشيوعيين) يطالبون الآن بتسهيل إجراءات الطلاق ومساواة شروط الطلاق للجنسين، وهذا كله ممتاز، لكنه فقط لن يكون عملياً إلا إذا كان الوضع الاقتصادي للجنسين متماثلاً< فهل يقبل المجتمع الإنساني أن يشارك الصخابين صخبهم؟.

 لا بأس أن نشير ثانية، إلى أن هذه المباديء والقوانين هي التي تتبناها الآن منظمة الأمم المتحدة بدافعية شديدة، جعلتها ترصد خلال الخمس سنوات التسعينية الأخيرة، ملايين الدولارات، لتمليك النساء بعض المشروعات الخاصة بهن، كما حدث في مصر والأردن وبعض الدول الإسلامية الأخرى، بعد مؤتمر السكان الشهير في مصر، ثم تقييم نتائجه في مؤتمر بكين.

والغريب أن الحركة النسوانية (الشيوعية والقومية واليسارية والتقدمية والعلمانية) مثل >جوقة< الغناء الشعبي في مصر والوطن العربي، قد وقفت موقفاً مؤيداً من هذه الدعوات الشاذة، التي تتعارض مع عقيدتنا وتراثنا الحضاري وأعرافنا وتقاليدنا التي يَضرب بها الأمثال، عقلاء العالم من المفكرين والأدباء وعلماء الأجناس.

ولم تجد واحدة من العضوات البارزات في الحزب الشيوعي المصري، بأساً أن تعلق على هذه الدعوات قائلة: >لقد كانت الثورة الجنسية، سواء عند الحفارين أو الصخابين، خطوة للأمام في مواجهة الأخلاقيات المزدوجة في معاييرها حول الأمور الجنسية، وكانت رؤياهم بشيراً بمجتمع المستقبل الحر، الذي أعطتنا الثورة الإنجليزية عينه منه سلفاً.

فهل تقبل المرأة المسلمة أن تغوص في مستنقع هذا السلف العلماني البوهيمي اللا إنساني، وترضى به بديلاً للسلف الصالح في تاريخ أمة الإسلام؟

الإجابة متروكة لخير زاد الأمة، من أمهاتنا وشقيقاتنا وزوجاتنا وبناتنا، في أرجاء الكون الممتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وإلى لقاء مع قبر آخر، بمشيئة الله.

عن د. أبو يوسف

شاهد أيضاً

حكاية أمة اسمها “مصر”

19/12/2003 ليس من الصواب أن ننسلخ من تاريخنا العريق إلى أجدادنا الفراعنة, سواء الموحدين منهم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *