حوار شبكة الألوكة مع الداعية الأستاذ أبي إسلام أحمد عبدالله
حوار صريح لموقع الألوكة مع الداعية الأستاذ أبي إسلام أحمد عبدالله
2/3/2011 صليبي – 26/3/1432 هجري
في هذا الحوار المطوَّل مع الكاتب الصحفي الأستاذ الداعية أبي إسلام أحمد عبدالله، كان معنا جريئًا ومصرِّحًا بأفكاره للغاية، وقد صرَّح بتصريحات لَرُبَّما تثير علامة التعجُّب، ولكنَّ مَن يعرفه عن قُرْب، يستشعر أنَّ ما يقوله ليس إلاَّ من قبيل النُّصح للأمَّة دُعاةً وعلماء، وهو الذي يردِّد دومًا عن أهَميَّة الرُّجوع إلى منهج الصحابة والتابعين في جَمْع الكلمة، ووَحْدة الصَّف؛ لمواجهة المخاطر المُحْدِقة بالأمَّة، من العلمانيِّين والنَّصارى والماسونيَّة، وهي القضايا الثلاث التي اهتمَّ بِها، وإن كان قد عرف مؤخَّرًا بأنَّه مهتمٌّ بِمُقاومة المدِّ التنصيري.
ولكي لا نستبق الأمور، فسنتركُكم مع أجوبة الأستاذ الداعية أبي إسلام أحمد عبدالله؛ واللهَ تعالى نسأله التَّوفيق.
س1) نريد لَمْحة سريعة عن حياة الداعية أبي إسلام أحمد عبدالله خلال عشرة أسْطُر؟
ج1) كانت حياتي وما زالَتْ – ولله الحمد والمنَّة – سهلةً وجميلة من حيثُ النَّجاحُ التعليميُّ والعلمي، لكنها كانت صعبة وشاقَّة في جانبها العمَلي، إنَّما أحسب أن هذه المشقَّة سوف يكون أجْرُها عظيمًا عند ربِّي بمشيئة الله؛ إذْ وفَّقَني – سبحانه وتعالى – أن تكون حياتي هي عمَلي، وعملي هو حياتي، وكانت البداية أيضًا جميلة إذْ كانت مع:
• أحداث الفتنة الطائفيَّة بِمنطقة الزَّاوية الحمراء.
• وصراع مباشر بيني وبين الجماعة الإسلامية داخل الجامعة تمت معالجته بعد ذلك.
انتَهَيا بي إلى طريق الالتزام في العام 1979، وكنتُ حينذاك رئيسًا لجماعة الصَّحافة بجامعة عين شمس، وكان عجيبًا ومُمتعًا أنَّ أغلب أعضاء هذه الجماعة عملوا بعد التخرُّج في مَجال الصحافة، وأذكر منهم: حلمي النمنم، ومحسن الزيات بدار الهلال، وعبدالمجيد… (لا أتذكَّر) بصحيفة الأهرام، وسيد حسين بصحيفة الجمهورية، وناهد عز العرب بمجلة الإذاعة والتِّلفاز، وغيرهم مِمَّا لا تُسْعفني بِهم الذَّاكرة، والْتَحقْتُ أنا بأوَّل صحيفة إسلامية “النُّور” منذ أربعين عامًا، غير “الدَّعوة” و”الاعتصام” و”المختار”، ثم مديرًا لِتَحرير صحيفة “الشعب”، ثم رئيسَ تحريرِ صحيفة “الصحائف العربية”، إلى أن انتهى بِي المقام إلى تأسيس مركز “التَّنوير الإسلامي للدراسات المعرفيَّة”، ومن باطنه كانت الأكاديميَّة الإسلامية لدراسات المِلَلِ والمذاهب، موازاةً لقناة “الأُمَّة”، ولله الحمد والمنة.
س2) ما سبب اهتمامكم بالديانة النصرانية؟
ج2) لم أكن – ابتداءً – بعيدًا عنها منذ بدأْتُ نشاطي الفكريَّ العام 1976، في مقاومة الماسونيَّة، لكنني كنت غافلاً عنها، حتَّى شاء الله لي في زيارةٍ صحفيَّةٍ لأمريكا أنْ ألتَقِي بشباب مصريٍّ وسعوديٍّ مهتمٍّ بزيارة الكنائس هناك، والحوار مع رجالها في حرِّية تامَّة، واستطعْتُ على ضوء هذه اللِّقاءات أن أحصل على صُوَرٍ لبعض الْمَطبوعات باللُّغة الإنجليزيَّة التي تُعالج الفِكْر المسيحيَّ، وليس العقيدة المسيحيَّة، كان من ثَمرتِها أوَّل مَجْموعةِ كتب صغيرة، أَذْكر بعض عناوينها: (37 نصيحة للمنصِّرين في الجزائر)، (788 خطة للتَّنصير)، (13 خطوة للتنصير)، (شبكات الاتِّصال بين الكنائس الكبرى) (إرساليَّات التنصير العالمية).
وبعدها مباشرة، تولَّى “بطرس غالي” منصبَ الأمين العامِّ للأمم المتَّحدة، فزاد فهمي ووَعْيي، وتبلْوَرَت عندي رؤيةٌ خاصَّة لمستقبل العلاقة المسيحيَّة الإسلامية، ليس في مصر، إنَّما في الوطن العربي، فألَّفْت كتابي المهم “بطرس غالي، من الجَدِّ بطرس – سفاح دنشواي – إلى بيت صِهْيَون والعودة”، ثم قُمْت بتلخيصه وطباعته بعنوان “بطرس غالي، القدِّيس الذِّئب”، وهُما أوَّل كتابَيْن في المكتبة العربية تعامَلا مع هذا الحدث بذلك الوضوح، وكان ذلك في موازينه الزمنيَّة تَجاوُزًا لكلِّ الخطوط الحمراء، لم يسبِقْني إليه داعيةٌ أو صاحبُ فِكْر، أن يتعامل مع شخصيَّة في وَزْن “بطرس غالي” بِحَجمه الشَّرعي والوطَنِي، لا بمنصبه الوظيفيِّ، ومن هذا الكتاب وقفْتُ على معلومات خيانيَّة شابَ لِخُطورتِها شعرُ رأسي، ولم يعْتَدَّ بِها أحدٌ من أصحاب الأفهام؛ إذْ خطَّط “بطرس” في أول تقرير سنويٍّ قدَّمه للأمم المتَّحدة عن حصاد عامه الأوَّل وطموحاته للعام التالي والذي يليه، وقال: إنَّه عازم على تنشيط الفكرة الماسونيَّة العدميَّة بتكوين جيش أُمَمي لقهر العالَم، (وقد حدث)، وتحويل الصِّراعات بين القُوَى العظمى إلى صراعات عِرْقيَّة وطائفيَّة (وقد حدث)، ودعم التكتُّلات النقابية والكيانات المدَنيَّة لحماية مكاسب السَّلام بِمَفهومه الصِّهْيَوصليبِي (وقد حدث)، والتعامُل مع بلاد مناطق الغليان كل واحدة على حِدَة فيضمن تفتيت كلِّ وحدة، ويَضْمن تَخوين كلِّ بلد لشقيقاتِها، (وقد حدث)، ومساندة الأقلِّيات على استقلالها (وقد حدث).
ثم تَمُرُّ أيامي حُبلى بالهمِّ والحزن أنَّ قومي لم يَقْرؤوا، ولم يَعْلموا، ولم يسألوا، إلى أن شاء الله زيارةً لي إلى دولة قطَر، التقيتُ فيها بشيخ هندي عالِم بالدِّيانات، وقد جاءني قاصدًا شُكْري على جهودي في مقاومة الماسونيَّة، ثُم نبَّهَني إلى خطورة التَّنصير وأهَمِّية بذْل الجهد في معالجته، ومن هنا كانت مرحلة جديدة في حياتي، هي تلك التي طال اهتمامي بِها لأكثر من خَمسة عشر عامًا.
س3) كانت لديكم برامج في قناة الأُمَّة الفضائية، ومنها ثقافة الحوار، فما تأثيرها على النَّصارى، وخصوصًا أقباط مصر؟
ج3) في الحقيقة أصرِّح للمرَّة الأولى، أنَّه لم يكن القصدُ من هذا البَرنامج هو التعليمَ أو التثقيفَ، أو المواجهةَ أو المقاومةَ على الإطلاق، إنَّما كان البُعدُ المستقبليُّ هو رفْعَ سقف الحرِّية في التعامل مع الكنيسة ورموزِها في عيون شيوخ وعلماء الأمة؛ إذْ بلغ الأمر في الذِّهنية الإسلامية الدَّعَوية – لدى بعض الدُّعاة – أن مجرَّد ذِكْر الكنيسة، أو أحَدِ رموزِها في خطابك الدَّعوي خطٌّ أحمر.
وفي الطريق لم يكن في مُخيلتي أبدًا أن يتأثَّر عشرات من المسيحيِّين المِصْريِّين، ويَشْعروا بالأمان في اتِّصالهم بِي ومُحاورتي، والتأكُّد من صِدْق معلوماتي، فأسلَم كثيرون كان أهَمُّهم ثلاثةً من الرُّهبان دفعة واحدة، حضَر واحدٌ منهم بزيِّه الكهنوتِيِّ، كمندوبٍ عنهم، وأعلن إسلامه في احتفال مُتواضع بِمَقرِّ القناة حضَره جَميعُ العاملين، وكانت أجْملُ حالة إسلام لِفَتاة تُدعى “جاكلين”، جاءت غاضبة صاخبة؛ لأنَّ شقيقَها القسَّ في الكنيسة أكَّد لها أن الكتب التي كنتُ أستخدمها على الشاشة هي من تأليف المُسْلمين، فأتيتُ لها بالحلقات التي استفزَّتْها على الخصوص، وكانت حول الجِنْس في كتبِهم، ثم عرَضْتُ عليها بِهُدوء شديد تلك النُّسخَ الأصلية ونصوصَها واحدًا بعد الآخر، فلم تُغادر القناة إلاَّ بعد النُّطق بالشَّهادتين.
أمَّا أغرب حالة إسلام في القناة فكانت لإحدى الأمَّهات، جاءت ومعها ابنتُها الجامعيَّة، مؤكِّدة أنَّها لم تترك حلقة واحدة إلاَّ وشاهدَتْها أكثر من مرَّة، وأنَّها عرضَتِ الأمر على ابنتها، فرفضَتِ المشاهدة، ولكنها وافقَتْ على زيارتي معها؛ لِمُناقشتي وفضح كذبِي – بِحَسب قولها – وجهًا لوجه؛ لأنَّها عرضَتْ بعض ما سَمِعتْه منِّي على أبيها الذي في الكنيسة ففَنَّد كلَّ ما قلْتُه، ومع الحوار والنقاش، أجهشَتِ الفتاةُ بالبُكاء والصُّراخ، ثُمَّ تركتْنا مسرعة، وغادرت المكتب إلى خارجِه، جلسَتْ على السُّلم الخارجي في حالة انْهيار مردِّدة لعشرات المرَّات بأسلوب هستيري: “يعني أنا كنت عايشة كِذْبة طول عمري، يعني أنتم عايزين تهدُّوا كل المسيحية…” إلخ، فخرجنا خلفها مُهَروِلين، وأخذَتْ أمُّها تهدِّئ من رَوْعها، وبدَأْنا الحوار من جديد بأسلوبٍ جديد، لمدَّة ثلاث ساعات تقريبًا انتهَتْ بنطقَيْهما الشَّهادتَيْن، وتَعِيشان الآن حياة طيِّبة للغاية، ولله الحمد والمنة.
س4) ما سبب توقُّف قناة الأمَّة؟ وهل توقَّفَت القناة أم أُوقِفَت؟ وما سبب ذلك؟ وهل ستعود؟
ج4) لا حرَجَ عندي الآن فيما سأقولُه، وقد قلْتُه من قبل على موقِعي الشَّخصي: إنَّ القناة أوقِفَت بسبب الموقف السلبِيِّ لبعض الشُّيوخ من القناة، وتحذيرِ النَّاس من دَعْم القناة، أو حتَّى الظُّهور على شاشتها، فضاقَتْ بنا السُّبُل في توفير المال اللاَّزم للاستمرار، ولو كان الدَّعم المطلوبُ توفَّر ما كان للبثِّ أن يتوقَّف، وهناك مُحاولات جاريةٌ للعودة قريبًا جدًّا جدًّا بمشيئة الله تعالى، لكنْ بِمَنهج جديد، وصياغة جديدة، مع الاحتفاظ بالأهداف العُلْيا، التي أُنشِئَت لأجْلِها القناة، والتخصُّص الذي تَميّزَت به، وشهادةً أَلقى بِها ربِّي: أنَّ ما فعَله بعض الشُّيوخ لِمُحاربة بقاءِ قناة الأُمَّة، فاق كثيرًا أحلام المسيحيِّين، وأعجَبُ ما في ذلك أنَّ أحدًا منهم لَم تَجْزَع نفسه على إغلاقها؛ لأنَّهم خلَطوا بين القناة وشخْص أبي إِسْلام، الذي لَم يكن له في نفوسهم وصدورِهم القبولُ؛ لأسبابٍ يعلمها الله تعالى وحْدَه، وظالِمٌ لدينه ولنفسِه مَن يفكِّر ولو لوهلة أنَّني أسَأْتُ لأحد منهم أو تعدَّيت على حقٍّ لهم، أو لغيرهم، وأنا لَم أرتكب خطأً شرعيًّا يستوجب الغضب منِّي، إلاَّ إنْ كانت قناة الأمَّة هي هذا الخطأ.
س5) هل بينكم وبين المرصد الإسلامي لمقاومة التَّنصير وجْهُ تعاون؟ وكذلك بَيْن عددٍ من المواقع والجمعيَّات الإسلامية لِمُكافحة التمدُّد التنصيري؟
ج5) ليس بيننا وبين أحد على الإطلاق أيُّ تعاون في هذا المَجال؛ لأسْباب غَيْر معلومة، وإلاَّ فنحن مستعدُّون لأيِّ مُحاسبة من أيِّ أحدٍ لنا، إن كنَّا أخطَأْنا في حقِّه أو قصَّرْنا في جهدٍ لنُصرته، بل ولله الحمد والشُّكر، لم يولد عمَلٌ بعدنا إلاَّ وبارَكْناه، وهو مرَضٌ عُضال في العمل الإسلاميِّ كلِّه بلا استثناء، أنَّ الشَّخصَنَة هي التي تَحْكُم العلاقات، وأَذْكُر مثالاً واحدًا حديثًا للغاية على ذلك: كنَّا على مائدة إفطار في شهر رمضان، حوالَيْ عشرين فردًا مهتمًّا، وبعد حوارٍ حَوْل خطْف ابنتِنا كاميليا، اقترح أحدُ الحضور إصدارَ بيان استنكارٍ، فصدر البيان وليس فيه اسمي أنا وآخَر، فبِقَدْر أسفي على ذلك الخلَل المفاهيميِّ لِمُعالجة قضايا الأُمَّة، إلا أنني سَعِدت كثيرًا لأنَّنِي منذ سنوات طويلة أكْرَه بياناتِ الشَّجْب والاستنكار، ولا أظنُّ أنَّنِي شارَكْتُ في واحدٍ منها في حياتي، وأذكر لعلاج هذه النُّقطة أنَّني قُلْت إجابةً على سؤالٍ طُرِح في هذا اللقاء: كيف الحلُّ؟ فأطلَقْت يومَها عدَّة أفكار، وقلتُ: لِيَبْحث كلُّ واحد منَّا في دفتر علاقاتِه بالآخرين، ويسأل نفسه: كَم مسلمًا أُخاصمه؟ وكم أخًا أقاطعه؟ وكم مرَّةً لَم أَنْشغل بجهوده؟ وكم مرَّةً لم أنشغل بشخصه؟ ولماذا؟ فإذا وقَفْنا على حقيقة أنفُسِنا المريضة فقد نُراجع أنفُسَنا، ونستعيد مفهوم الأُمَّة الَّتي يكون أفرادُها كالبنيان المرصوص.
ثم قد يكون الخَيْر في هذا التَّشرْذُم، هروبًا من التوحُّد الذي يؤرِّق أهل الباطل، ويُمكِّنهم من مُحاربتها، قد يكون، وإن كنتُ لا أتصوَّر أنَّ في التشرذم غيْرَ الفشل.
س6) هل هنالك إصداراتٌ للأكاديميَّة الإسلامية لدراسات المِلَل؟
ج6) هناك – ولله الحمدُ – سَخاءٌ في إصدارات الأكاديميَّة، لكنَّها في الغالب عبارة عن مذكِّرات مُخصَّصة للتوزيع على الدَّارسين، وهي في الحقيقة إصداراتٌ مهمَّة جدًّا لكلِّ مَن يعمل في هذا الحقل، حتَّى الباحثين المتخصِّصين، خاصَّة مذكِّرة ومُحاضرة “ليس مقدَّسًا”، الَّتي تصحِّح الأخطاء المصطلَحيَّة التي يقع فيها العامِلون في هذا الحقل، وأنا أدعو كلَّ مسلمٍ مهتمٍّ أن يزور الأكاديميَّة ولو لساعة واحدة، فإنَّ مركز التنوير الذي يقوم على دَعْم الأكاديمية بالكتب والمذكِّرات، هو قاعةٌ لتجديد النَّشاط الذِّهني والإحساس بالنُّصرة، وليس مجرَّد دارٍ للنَّشر، أو مكانٍ للدِّراسة.
س7) كان لديكم برامج على قناة الفراعين، وكان في مواجهتكم “نجيب جبرائيل”، وقد انسحب في بعض الحوارات، فما سبب ذلك؟ وما طبيعة هذه البرامج؟
ج7) أبْدَأ أولاً بطبيعة البَرْنامج، أنَّه لِنَشْر الضَّلال والفساد، ودَعْم العلمانيَّة، وقد شارَكْتُ فيه مرَّتَيْن؛ الأولى كان موضوعُها الاحتفالَ بأيام شمِّ النَّسيم، والأُمِّ، وغيرهما، في مواجهةِ أزْهِري سابقٍ يُدْعَى “أحمد السايح”، وفوجِئْت بعد جلوسي أمام الكاميرات أنَّ البرنامج لِمُذيعة متبَرِّجة شكلاً وأخلاقًا، وكان الانسحاب صعبًا، فدار الحوار قاسيًا عليهم منِّي، فأعَدُّوا بسرعة مَجموعةً من الاتِّصالات الخارجية لأتْباعهم، وانقلَبَت الموازين في شَتْمي وسبِّي، ولكن لم يَبْق في ذاكرةِ الْمُشاهد إلاَّ أحكامي الصادمة لثلات فئات: العلمانيِّين، ومُنْكِري السُّنَّة، والمسيحيِّين دَفْعةً واحدة على شاشتِهم، وكان هذا توفيقًا كبيرًا من الله، وكان نتيجة تلك الأحكام أنْ رَفَع كلٌّ من المسيحييْنِ “ممدوح نخلة” و”نجيب جبرائيل” بلاغًا للنَّائب العامِّ في حقِّي لِتَكْفير المسيحيِّين، وفي حقِّ المذيعة أنَّها سَمَحت لي بذلك رغم أنَّها بذَلَتْ كلَّ جهْدِها لِكَسْري على الشاشة، فبادَرَ رئيس القناة بالاتِّصال بي، وطلب منِّي بِسَذاجة استضافتَه لي مع “نجيب جبرائيل”؛ لأبرِّئ المذيعة، وأعتذر عمَّا قلْتُه أنا في حقِّ المسيحيَّة والمسيحيِّين، فوافقْتُ على الفور؛ لأسباب بُحْت بها على الشاشة مباشَرة، فقلت:
أولاً: لقد غُرِّر بي في الحلقة السَّابقة، ولم أكن أعرف أنَّ مُقدِّم البَرْنامج امرأة متبرِّجة.
ثانيًا: أيُّ شيخٍ أو داعية أو مفكِّر إسلامي يَظْهر في قناةٍ مع مذيعة متبَرِّجة فهو آثِم.
ثالثًا: أنَّنِي لم أَسُبَّ المسيحيِّين؛ إنَّما ذكَرْتُ وصْفَهم، ورَدًّا على اعتداء أحد المُتَّصِلين.
هكذا تحدَّثْتُ بوضوح وجلاء؛ لِيَبدأ الحوار مع “نجيب” الذي أخذ (يرغي) و(يزبد) في اتِّهامي وتهديدي بالنائب العام، و… و… فلمَّا أتى دَوْري في الكلام قلتُ له نصًّا وعلى الملأ:
• إنَّ المسيحيِّين كُفَّار ومشركون ووثنيُّون وضالُّون.
• إنَّ غَجَر المَهْجر منْحطُّون وعُمَلاء و… و…
وهنا نَهض “جبرائيل” من مكانه؛ لأنَّه لم يَجِد لتهديداتِه أيَّ استجابة عندي، وأنَّني قُلْتُ ما أردتُ، وليس ما مَنَّى نفسَه به، هو ورئيس القناة، وكان فضْلُ الله عظيمًا.
س8) ما أقوى الأسئلة التي يُلْقيها الشيخُ أبو إسلامٍ للنَّصارى ولا يَجِدُهم يجيبون عنها إلى الآن؟
ج8) أقول لَهم: أَنا أُثْبِت لك أنَّ القرآن وحيٌ من عند الله، نُزِّل على قلْبِ النبِيِّ محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – وكيف وصل إلينا خُطْوَة خطوة، بِشُروط وشهادات حافظَتْ على لُغَتِه الصَّوتيَّة والكتابيَّة كما أُنْزِل، فكان كتابًا مقدَّسًا، فهل تستطيع أن تُثْبِت لي بنفس التَّوثيق أنَّ كتابَك وحيٌ من عند الله، نزل على قلب يَسُوع، وكيف وصل إليكم خطوة خطوة بنفس الشروط والشهادات فكانت له القَداسة؟
وإشكاليَّة هذا السُّؤال أنَّ الإجابة عليه صَعْبة للغاية، حتَّى إنَّهم قالوا بِمَعنى خاصٍّ للوحي، وبمعنى خاصٍّ للُّغة، وبِمَعنى خاص للقَداسة، وكلُّها تتَناقض مع قواميسِ اللُّغة العربيَّة، الَّتِي هي مَرْجع المعاني للوَحْي والتَّنْزيل، واللُّغة والقداسة، وإنْ سقَطَ الكتابُ سقَطَت العقيدة دون أن نشغَل أنفسَنا بتفاصيلِ الكتاب وما فيه نُصوص.
ومثل هذا السُّؤال مِمَّا لا إجابة له في المسيحيَّة:
• ما اسْمُ دينِ المسيح؟ ما اسم دين المسيحيِّين؟ ما اسم إلهِ المسيح؟ ما اسم إله المسيحيَّين؟ (إيل، إيلي، إيلو، إلوه، إلوهيم، يهوه، أدوناي، ابن داود، ابن يوسف، ابن الإنسان، ابن الله، عمانوئيل، عيسو، المسيح، السيِّد المسيح، يشوع، يَسُوع، أب، آب، ابن، روح قُدس، لورد، ماستر، فازر،… إلخ)؟ وليس في واحدٍ من هذه كلِّها ما يَرْقى إلى اسْم الجلالة (الله)، فليس لهؤلاء القوم اسْمُ دينٍ معلومٌ، ولا اسمُ كتابٍ، ولا اسم إله.
س9) حضرتكم رئيس تحرير مجلة التَّنوير الإسلامي، وهي مجلَّة تهتمُّ بِمُتابعة النشاط التنصيري في العالم الإسلامي، نوَدُّ أن نسمع منكم: ما آخِرُ أخبار التنصير في العالم الإسلامي؟
ج9) أوَّلاً: أشكرُكم على مقدِّمة السُّؤال الذي يتَّضِح منكم جهدٌ مبذول في التعرُّف عليَّ وعلى بعض جُهودي، وهذا يدلُّ على عقليَّة منظَّمة ومرتَّبة تُسْعِد قلبِي، أسعدَ الله قلوبَكم، ولا أُزكِّيكم على الله.
أمَّا عن أخبار التَّنصير في العالَم الإسلاميِّ، فهو يعيش مرحلَةَ انْحِسار فُجائيَّة، أفشلت كلَّ الْخُطط المستقبليَّة (الإستراتيجيَّة) التي وضعوها وحَلَمُوا بِها، بسبب صَحْوة ربَّانيَّة ليست نِتاجَ دعوةِ دُعاة، ولا جهود علماء، ولا إصدارات ومؤلَّفات، ولا وسائل إعلام، ولا دَعْم حكومات، إنَّما هي صَحْوة ربَّانية اخترقَتْ قلوب المنصِّرين وكنائِسَهم، وإرساليَّاتِهم، فبَثَّتْ فيها الْخَوَر والضَّعف والوهن، كما اخترَقَت قلوب المسيحيِّين بكلِّ مذاهبِهم وطوائفِهم ومِلَلِهم، فبَثَّتْ فيها الإحساس بصِدْق الإسلام وسُمُوِّ تعاليمه، وعَدْل أحكامه، وطهارَةِ سلوكيَّاتِه، وجَمالِ ورَوْنق وروعة مَناسكِه، فدخلوا في دين الله أفواجًا، ولا يدَّعي داعٍ أنَّ له فضلاً بعد فضل الله وترتيبه في ذلك، ولا يستكبِرُ أحدٌ من المسلمين، ويُعارض ما أقول، وعندي البيِّنة، وكلُّ دَوْرنا هو استِقْبال المسلمين الجدد، ومساعدتهم في اجتياز تَجْرِبة التحوُّل، فاللَّهم تقبَّل.
س10) يقول بعض المُتابعين لكم: إنَّكم تقومون بنشْر الفتنة الطائفيَّة في برامِجكم المرئيَّة ومقالاتكم، فما جوابُكم على ذلك؟
ج10) إذا كان التصدِّي لسفالات المُعْتدين على قرآن المسلمين وسُنَّتِهم وسيرة نبيِّهم وتاريخِهم، والذَّودُ عن حياضِ الأمَّة في زمن الصَّمت – اسْمُه فتنة طائفيَّة، فأنعم به من اسْم، وأنعم بها من صفة؛ لأنَّ الفتنة بالقراءة المتأنِّية لَها هي مُصْطلح فاسِد، أطلقه قومٌ فاسدون، عندما يتصدَّى المسلم لفِعْل أو قولٍ فاسد؛ إذْ ما دام السَّبُّ والشَّتْم، والقذارةُ والقباحة، والوقاحة في حقِّ المسلمين وعقيدتهم لا ردَّ عليه، فهو ليس بفِتْنة؛ لأنَّه من طرَفٍ واحد، وليس هناك ما يصدُّه، فإذا أقْدَمَ واحدٌ على ردِّ الاعتداء تولَّد مصطلح الفتنة؛ لذلك فإنَّ هذا الاتِّهامَ بالنِّسبة لي مَكْرُمة كبيرة، وفَضْل من الله عظيمٌ، ولا أتألَّم منه إلاَّ عندما يردِّدُه بعضُ شيوخِ ودُعاة المسلمين كالببغاوات الَّتي لا تَفْقَه ما تردِّد، وعذرًا لقولي؛ فلا قَصْد له إلاَّ مَن فعل، وهم قليلٌ، وكما أكَّدْت مِن قَبْل أنَّ استمراري في مُمارسة دَوْري الدِّفاعي (الفتنة)، لن يتوقَّف بِغَيْر الموت، وأسأل ربَّ العرش العظيم أن يَجْعله كلَّه في ميزان حسناتي، وألاَّ يجعله فتنةً لي أو لغيري من المسلمين .
أسئلة حول التنصير:
س11) ظاهرة اختِطاف المسلمات الجدد من الأقباط، إلامَ تَعْزوها؟ وما سبب الموقف السَّلْبِي للدَّولة في الدِّفاع عن حقوقهنَّ؟
ج11) أعزو هذا الخَطْف وسلبيَّة الدَّولة، لا إلى قوَّة المُجرم الذي خطَف، ولا إلى ضَعْف الدولة السلبيَّةِ السُّلوك والقانون، إنَّما – وأرجوكم شديدَ الرَّجاء عدَمَ حذْفِ شيءٍ مِمَّا أقوله هنا بِخِلاف أيِّ سؤال آخَر، إذا كانت النِّية صادقة لإصلاح الحال – ذلك يرجع إلى هوانِ كثيرٍ مِن عُلماء ودُعاة وشيوخِ الأمَّة، إلاَّ مَن رحم ربِّي؛ بِغِيابِها عن أمراض الأُمَّة، وإغراقها في العلوم أو المفاهيم المذهبيَّة المُنْغلقة على نفسها، وانعدام احتِكاكها بِما يدور في شوارع وحواري وأزِقَّة ومُدن وقُرى ونُجوع الأمَّة، ومُخاصَمة ثقافتِها المعاصرة؛ اعتراضًا، أو رفضًا، والتَّسليم العجيب لانْحِدار المؤشِّر البيانِيِّ للأخلاق والتديُّن والسُّلوك، والإعلامِ والفنِّ والأدب، بل والاقتصاد والسِّياسة، وكأنَّ هذه الأرضَ وهذه الأُمَّة تَنازلَ عنها علماءُ الأمَّة بِصَكٍّ شرعي للفسَدَةِ والمُحتالين، واللُّصوص والمُجرمين والفُسَّاق، وتفشَّت دعوة عجيبة تَرْتدي ثوب الرَّبَّانية إلى أَنْ يَكْتفي الدُّعاة بتربية الأجيال على القُرْآن والسُّنة، وهذه التربية كفيلةٌ بإنقاذ الأمَّة وعودَتِها إلى طريق الصَّواب، في الوقت الذي لا يَمْلك واحدٌ بلا استثناء من علماءِ وشيوخ ودُعاة الأُمَّة مِن نفْسِه شيئًا، إلاَّ من رحم ربِّي، وهُم قلَّة نادرة، حرَكَتُها أو قوْلُها أو فعلها – لِنُدرته – أصبَح نشازًا مُخالفًا لإجْماع الأمَّة على الصَّمت والخِذْلان والْهَوان، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله، واللهُ حسيبِي فيما أقول وفيما أدَّعي، وأَمَلي أن يَعْلُوَ صوتُ رجال الأمَّة بالحقِّ، وأن يتَتبَّعوا عورات أعداءِ الله الْمُتآمرين على دِينها وتاريخِها وثقافتِها، وأن يَسْتبدلوا بِرُوح الاستكانة والهوانِ روحَ العزَّة والثِّقة في الله، وأن يَفْضحوا المُتبَرِّجات ودُعاة التبَرُّج، ويُجرِّسوا المنحرفين والمنحرفاتِ ودُعاةَ الانْحِراف في كلِّ مناحي الحياة؛ لأنَّ الشُّعوب لا تَحْترم الضُّعَفاء، وتتهلَّل تبجيلاً وحبورًا بالأقوياء، خاصَّة إذا ما كانوا أقوياء بالله، وأطلب الغفرانَ من الصِّغار قبل الكبار، بعد الله.
س12) في ظلِّ المؤْتَمرات الدَّاعية إلى الْحوار بين الإسلام والنصرانيَّة؛ هل ترى نَجاحها؟ أو على الأقلِّ تخفيفَ الاحتقان الجاري بينهما مثلاً؟
ج12) هذه المؤتَمرات أراها خيانةً للأُمَّة، تُرتكب لِمُصالح دنيويَّة فرديَّة، لاحول ولا قوَّة لِوَاحد من أطْرَافها منفردين أو مُجتمعين، فلا المُحاور الإسلاميُّ – جَماعةً أو أفرادًا – يَمْلِك من شأن نفسه شيئًا، ولا سلطانَ له حتَّى على نفسه، إنَّما هو دائمًا مأمورٌ من سيِّده، ولا يستطيع العيش إلاَّ وهو مأمورٌ من غيره، أمَّا المُحاور المسيحيُّ فيَعْلم أنَّه يؤدِّي دورًا في منظومة (استهبال) و(استعباط) المسلمين، فيصوِّر لهم أنَّه يُحاور، وهو في الحقيقة يغيِّر المفاهيم، ويذيب المعتقَدات، ويهزُّ الثَّوابت عند المساكين المسلمين، ولا يَغُرَّنَّ أحدًا أَنْ كان المُحاوِرُ المسلِمُ وزيرًا، أستاذًا أو فرَّاشًا، شيخًا أو خيشًا، معمَّمًا أو مغيَّبًا، ولديَّ وثائِقُ تَزِن الكيلوجرامات لِمَن لا يُعْجِبه كلامي، ويكفي أنَّ أعظمَ مصائبِ هذا الحوار، أنَّ المسيحيِّين يُعْلِنون في حواراتِهم دائمًا أنَّهم لا يَعْترفون أنَّ هناك دينًا اسْمه الإسلام، ومستعدٌّ للمُساءلة القانونيَّة إذا ما أنكر واحدٌ منهم تلك الفضيحة.
س13) كثيرٌ من العقلانيِّين العَصْرانيِّين يدَّعون دخول النَّصارى إنْ آمنوا بالله واليوم الآخر الجنَّة، ويحتَجُّون بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [المائدة: 69]، فما جوابُكم عن ذلك؟
ج13) إنَّ إشكاليَّة هؤلاء أنَّهم جهَلَةٌ بِلُغتِهم، وأشدُّ جهالةً بِلُغة قرآنِهم، ولا يستوعبون ما يَنْصحون النَّاس به من سؤال أهل الاخْتِصاص فيما يستشكل على عقولِهم، ويدْعون إلى عدَمِ تدخُّلِ غير أهل الدِّين في دينهم، ويتدخَّلون هم بِجَهْلِهم فيما لا يَعْرِفونه أو تَخصُّصوا في فنونِه، فالآية الكريمة تُخْبر: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ وَالنَّصَارَى ﴾، مَن مِنهم ﴿ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾، فهَؤلاء: ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾، ومن لا يؤمن منهم بالله واليوم الآخر ويعمل صالحًا، كلّها دون استثناءِ واحدٍ منها، فلا أجْرَ له ولا أمان ولا هناء، ونعوذ بالله أن نكون منهم، ونسأل الله أنْ نكون من الأوَّلين.
س14) كان لِمُناظرات الشيخ أحمد ديدات بريقٌ خاصٌّ في مناظرة النَّصارى، وبعد وفاته – رحمه الله – هل تستطيع أن تقول: صار له خلفاء بقوَّته؟
ج14) نعَم؛ فإنَّ عطاء الله وافرٌ مِمَّن ساروا على دَرْب شيخنا الجليل – رحمه الله عزَّ وجلَّ – ولأنَّه وضع الأُسُس، واجتاز التَّجرِبة الأولى، فإنَّ في ميزان حسناته إلى يوم الدِّين مَن يُمْكِن وصْفُهم بِتَجاوزه – رحمة الله عليه – نصرةً لعِلْمه وجرأتِه وإخلاصه، ولا يَمسُّ قدْرَه – رحِمَه الله – أنَّ كلَّ مَن تَجاوزوا عطاءَه اليوم هم عالة على عِلْمه وتاريخه، وهُم – بِحَول الله – عشراتٌ اليوم، ولا أكون مُنْصِفًا إن أغفلتُ دور الأكاديميَّة غيرَ المحدودِ في ذلك المَجال، ولعلَّه مِن باب الاعتراف بالفضل والجميل بعد فَضْل الله، أنَّ سلسلة مُحاضراتِ الشيخ أحمد ديدات هي أول مطبوعات مركز التنوير.
س15) كيف ترى الحلَّ الصحيح لحلِّ أزمة المُسْلمات المحبوسات في الأَدْيِرَة؟
س15) لا حلَّ إلاَّ أن تَتَّخِذ الدَّولةُ قرارَها باستعادَتِهنَّ، ومَنْحِهنَّ حرِّياتِهنَّ، ووَقْف المرَضِ الكنَسيِّ العُضال القديم بإعادة مُمارسات مِلْك اليمين، وأَسْر الحرائر، والوصاية على قِطاعٍ من الشَّعب المصري من خلال عصبيَّة طائفيَّة مَقِيتة، في ضوء غيابٍ كامل لكثيرٍ من رُموز علماء الأمَّة وشيوخها ودُعاتِها أصحاب الصَّوت الخافت، والذي شجَّع الدولة على التمادي في ظلمِها لِحِساب المسيحيِّ صاحب الصَّوت الأعلى، والمُشْكلة التي أنبِّه إليها الآن بشدَّة هي الدعوة إلى مُعاملة الكنيسة بالمِثْل وتَهْديد رجالِها بأن يكون حالُهم كحال كاميليا من باب العين بالعَيْن، والسنِّ بالسِّن، وأنا أحذِّر من ذلك أو الانسياق إليه؛ لأنَّ المسيحيين يُمْكِن أن يُضحُّوا بِمِصرَ في سبيل عنادهم وعمالةِ بعضهم، أمَّا المسلمون فإنَّ سلامة الوطن من سلامة الدِّين، ولا نَرْضى أن يكون فينا آخَرُ مثل “الكمُّوني” حتَّى لو شاءت الكنيسة ذلك، ورَغِبَت فيه كما كان يفعل اليهودُ في مصر قبل نصف قَرْن عندما كانوا يَحْرقون دور السينما ليتورَّطَ فيها الإخوانُ المسلمون.
فأتَمنَّى من مشايخِنا أن يتجمَّعوا في صفٍّ واحد، ويَذْهبوا إلى برلمان الأمَّة حتَّى لو كان لهم فيه حكم، وأن يذهبوا إلى القَصْر الجمهوريِّ، وأن يُنادوا من فوق المنابر، وأن يعبِّروا عن غضب الأمَّة لِمَن يَحكمونها، فنَضْمن عدم الخروج بأعمال غير قويمة نَدْفع ثَمَنَها من تاريخنا، وظَنِّي أنَّ مُشاركة العلماء والدُّعاة، وخاصَّة أصحابَ الدَّعوة السَّلَفية جَميعًا، وليس واحدًا أو اثنين أو ثلاثة، والتَّواصل إن أمكن مع الآخَرين في عمَلٍ عامٍّ، قد يكون لَبِنَة لوَحْدة المسلمين، وقد يحقِّق مكاسِبَ مزدوجة.
س16) ما حكاية التنصير في مصر؟
ج16) أحْمَدُ الله العلِيَّ القدير أنَّني أنْسَى كثيرًا من أمور حياتي، لكنَّنِي لا أنسى أبدًا حكايةَ التَّنصير في مصر، وأقول: إنَّ منارات الأُمَّة عندما تغيب عن ساحات المَساجد أو تُؤمَّم المساجد بتعطيل دَوْرِها، وتشويه رسالتِها، أو تراجع المنارات من ذاتها؛ يأسًا أو انْسحابًا أو فِقْهًا، فإنَّ الجِرْذان تَخْرج من جُحورها، والحيَّات من شُقوقها، والخفافيش من أوكارِها، فيزيد اليائسين يأسًا فوق يأْسِهم، والمنسحبين انسحابًا، ويزيد الفقه إيغالاً بِحَتميَّة التَّراجُع، فيكون شرعًا.
وقد نشطت كلُّ الجِرْذان والحيَّاتِ والخفافيش من المسيحيِّين الخَوَنةِ، والعُملاءِ، وأعوانِهم المأجورين من العلمانيِّين المُتَمَسْلِمين، فعَلاَ صوتُهم، وقَوِيَت شوكتُهم، وبدأت سلسلةٌ من حالات تنصير المسلمين لَم يستنكِرْها مستنكِر، ولم يَدْمَع لها دامِعٌ، ولم يَلُمْ عليها لائمٌ، ولم يستشعر أيَّامَها أحدٌ الحزنَ الذي يَمْلأ قلبي، فكنتُ أرى ولا يرى غيري، لكنَّني أقسَمْتُ على ربِّي ألاَّ يفرِّج الكَرْب، ويفقِّه في الأمر قومي، وخاطَبْتُ الكنيسة بزيارة عدَدٍ من قياداتِها، مثل الأنبا ماركوس، والأنبا متاؤوس، والأنبا يؤانس، والقمامصة “مرقس عزيز” و”عبدالمسيح بسيط” و”مينا ظريف” من الأرثوذكس، و”منيس عبدالنور” و”إكرام لمعي” و”داود رياض” من الإنجيليِّين، والأب “يوحنا قلته” من الكاثوليك، وحذَّرْتُهم جميعًا وعشراتٍ غيْرَهم من أتباعِهم أنَّ ما يفعلونه سوف يستفِزُّ مشاعرَ المسلمين المتبلِّدة، وسوف تَسْتيقظ فيهم الهِمَمُ إذا لم يتوقَّفوا عن مُمارسة التنصير، فكان ردُّهم مُتعاليًا، ولَم يستجب واحدٌ منهم.
وهاهي الأيام تمر بطيئة، حُبلى بالألَم والحزن، حتَّى إنَّني قضَيْتُ أكثر من عام لا شُغْل لي غير استعادة المرتَدِّين، وأحْمَد الله أنَّ جهْدي في ذلك لَم يَخِب إلاَّ في ولَدٍ وبِنْت من بَيْن حوالَيْ عشرين حالةً، وكان ذلك بسببٍ خارج عن إرادتي، إلى أن انقَلَب السِّحر على الساحِر، وأصبح ضغط عددِ المسلمين الجدد فوقَ طاقة استيعاب مَن سخَّرَهم الله لذلك؛ مصداقًا لِقَول الله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، وأظنُّ أنه لن يكون تراجُعًا ثانيًا إلى الوراء؛ إذْ كلَّما زاد طغيان الكنيسة، مع بَذْل الجهد من ناحيتِنا في بيان فساد العقيدة وأخلاق القائمين عليها، تولَّدَت هناك ثورةُ غضب داخلَ أركان الأُسْرة المسيحيَّة تُهدِّد بحقِّ عَرْش الكنيسة المصرية الذي أصبح خاويًا، وأصبحَتْ لدينا خبراتٌ كبيرة في دراسة العلاقات الاجتماعيَّة بين أفراد شَعْب الكنيسة، ومعرفة أسرارها، بلَغَ بِبَعض الشَّباب إلى حدِّ الاحتراف في تَحمُّل مسؤليَّة الشَّباب والفتيات، والنِّساء والرجال، المتحوِّلين إلى الإسلام، وبِجَدارة، والحمد لله.
س17) في رَأْيكم: ما سبب إسلامِ النَّصارى؟
ج17) بوضوحٍ شديد، وبلا تَزْيين أو تَجْميل:
1 – تَحلُّل المجتمع المسيحيِّ مقارَنةً مع القِيَم المسيحيَّة.
2 – تفَسُّخ العلاقات الأُسَرية المسيحيَّة.
3 – عزوف الشَّباب المسيحي عن الزَّواج؛ بسبب شبَعِه العاطفيِّ والجنسيِّ من الاختلاط.
4 – مَيْل الفتيات إلى الشَّباب المُسْلم؛ استجابةً إلى نداءٍ عاطفي أكمل وأنشط، وأكثر حميميَّة وصدقًا.
5 – لُجوء الآباء إلى تَزْويج بناتِهنَّ لرجالٍ كبار السنِّ فاتَهم قطارُ الزَّواج.
6 – (وساخَةُ) – وأعتَذِر عن اللَّفظ؛ لكنَّه الأكثر دقَّة وموضوعيَّة – أغلبِ القسس والكهَنةِ في تعامُلهم مع الفتيات والزوجات.
7 – انشغال الكهَنة بأعباء إداريَّة وماليَّة واجتماعية، عطَّلَت أداءه الدَّعَوي.
8 – استخدام شباب وفتيات غير مؤهَّلات في دعوة الأطفال والصِّبيان.
9 – زُهْد الرجل المسيحيِّ في علاقته الزَّوجية، مِمَّا يُلْجئُ الزَّوجات إلى البحث عن مُسْلِم.
10 – معاناة أفراد الأُسْرة من جفاء العلاقة بين الوالِدَيْن هدَّد الثِّقة في الزواج الكنَسي.
11 – تراكُم مشكلات عدم مَنْح الطلاق أو قرارات التزويج لِمَن فشلوا زوجيًّا.
12 – إسلام أحَدِ أفراد الأُسْرة أو العائلة يشجِّع البعضَ الآخَرَ على القيام بنفس العمل.
13 – انتشار الإنترنت في الكنائس والمنازل المسيحيَّة حقَّق نوعًا من معرفة الإسلام.
14 – كثرة وانتشار مواقع الإنترنت الإسلاميَّة التي تُعالِجُ مشكلاتِ العقيدة المسيحيَّة.
15 – كثْرَة وتعدُّد غُرَف المُحادثة الصوتيَّة والكتابيَّة الإسلامية على الإنترنت.
16 – النَّشاط الميدانِيُّ لمركز التنوير والأكاديمية الإسلاميَّة لدراسات المِلَل والمذاهب.
17 – الدَّور فوق العاديِّ الذي مارسَتْه قناة “الأُمَّة” في مَجال التعريف بالمسيحيَّة، ثُمَّ قنوات “النَّاس” و”الخليجيَّة” و”الحافظ” خلال الأَشْهر الثلاثة الأخيرة قبل إغْلاقها.
18 – ولا شكَّ أنَّ هناك أسبابًا أخرى لم تُسْعفْني بها الذَّاكرة.
س18) كيف يمكن الرَّدُّ على افتراءات المنصِّرين؟
ج18) إنَّ افتراءات المسيحيِّين – ومع قوَّة الْهُجوم العنيف الذي بدأَتْ به منذ ما يَقْرب من عشر سنوات، واستقبَلَه المسلمون ما بَيْن الدَّهشة والخوف والرُّعب – هي نَفْسها التي حَمَلت لنا آليَّات الردِّ عليهم، وكان كلُّ ما احتاجه المسْلِمون هو عامِلَ الوقت فقط؛ حتَّى يستوعبوا هذه الآليَّات وأساليبَ هجومِهم وأدَواتِهم، وكما أشَرْت من قبل، ففي أقلَّ مِن خَمْس سنوات تقريبًا من بَدْء الهجوم المسيحيِّ لتنفيذ الخُطَّة (10/40) لتنصير ما بَيْن خطِّ عرض 40 شمال، 10 جنوب؛ (أيْ: منطقة ما بين شَمال سوريا إلى جنوب الصُّومال تقريبًا) انطلقَتْ أوَّل مَجموعة مواجهة على برنامج المُحادثة (البال توك)، ثُمَّ مِن بعدها بأعوام أربعة تقريبًا، انطلَقَت أوَّل وأضخم شبَكة للردِّ على التنصير ومقاومَتِه، وهي شبكة “بلدي لمقاومة التنصير والماسونيَّة”، ثم في خلال عامٍ واحد انطلقَتِ الأكاديميَّة الإسلامية لدِرَاسات المِلَل والمذاهب؛ لِتُمارس دورًا عالَميًّا في “إعداد الشباب لمقاومة التَّنصير”؛ أُسْوة بالأكاديميَّات التنصيريَّة العالمية التي تقوم على تدريب وتخريج مِئات المُنصِّرين شهريًّا، ثم استوعَبْنا الآليَّة الثانية للمنصِّرين في مَجال المطبوعات بالحجمَيْن الكبير والصغير، والملوَّنة سريعة الانتشار، ونَجحَتْ هذه الأفكار في استقطاب المئات إلى مَجال مقاومة التَّنصير، وشكَّلْنا بذلك حائطَ صدٍّ صعبًا للغاية في أقلَّ مِن خمس سنوات منذ بداية الحملة التنصيريَّة التي تَحْمل اسم (10/40).
ثُم كانت القوَّة الأضخم في انطلاق قناة “الأمَّة” الفضائية في خلال خَمْسة وأربعين يومًا فقط منذ اتِّخاذِ قرار الإنشاء، وحتَّى ظهورها على الهواء وبَدْء بثِّ برامِجها؛ لِتُواجه وحْدَها حينذاك تسْعَ قنوات تنصيريَّةٍ موجَّهة إلى المنطقة العرَبيَّة، والشُّعوب الإسلاميَّة، وناطقةٍ باللُّغة العربية، وفي أقلَّ مِن عامٍ واحد من عمرِها نَجحَتْ في قضِّ مضاجعِهم، وأن تُقْنِع أغلب هذه القنوات وعشراتٍ من الكنائس بالانتقال إلى خانة الدِّفاع، فبدَؤوا في إصدار المطبوعات والبَرامج التي تُحاول التصدِّيَ لبثِّ قناة الأمَّة وهجومها المضادِّ الذي استطاع الوصول إلى داخل البيوت المسيحية، وأن يَجْعل عائلاتٍ بأكْمَلِها تزور مقرَّ القناة، وتُعْلِن إسلامَها لله الواحد القهار.
نَحْمد الله كثيرًا على أنَّ هناك اليومَ أكثرَ مِن مائة موقعٍ ومنتدًى إسلاميٍّ متخصِّصٍ في ردِّ افتراءات المسيحيِّين.
س19) وما الْمُثُل العليا للحوار مع غير المسلمين؟
ج19) السُّؤال هنا يَحْمل ثقافتَيْن:
الأُولى: ثقافة الحوارات التي بين المؤسَّسات الدِّينية الرَّسْمية وبين الشَّرط الغائب تَمامًا، والذي أريد فَرْضه على هذا النَّوع من الحوارات أن يكون الطَّرفُ المسلم هو الدَّاعِيَ إلى الحوار، وألاَّ يكون حوارًا بِمَعنى أن يَعْرض كلُّ فريقٍ ما عنده، فيكون هناك ما هو أَلْحن من الآخَر، إنَّما الواجب أن يكون جِدالاً بالَّتي هي أحسن، والجدال ليس هو أبدًا الحوارَ كما يَفْهم الناس، إنَّما المقصود هو أن يَعْرِض المسلمُ دينَه الذي هو أحسن، على الآخَر، فالجدال يتحدَّث فيه طرفٌ واحدٌ، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك إنْ لم يكن اللِّقاء جدالاً، وكان حوارًا، فعلى أيِّ شيءٍ يكون الحوار؟ هل لِتَقارُب وجهات النَّظر في العقائد (وهذا مرفوضٌ من الطَّرَفَيْن)؟ بالطبع لا، إنَّما قالوا: إنَّ الحوار من أجل إيجاد أرضيَّة مشتركة للتعايُش السِّلمي، لكنَّ الخيانة السَّاكنة في أحشاء هذا السُّؤال أنَّ أطراف الحُوار أضْعَف من إصدار أو تنفيذِ أيِّ قرار في مَجال التَّعايُش السِّلمي.
أمَّا الثَّقافة الثانية للحوار، فهِي ذلك الذي يَدُور في غُرَف المُحادثة الصَّوتية على الإنترنت (البال توك)، والْمُثل العليا هنا تتمثَّل في الضَّوابط الشرعية لأيِّ حوار بين مُسْلم ومسلم، أو مسلم وغيرِ مسلم، من أدبِ خطابٍ، وحُسْنِ قول، وعدالة حكم، وسعة أفق، وتمكُّن في المعرفة والعلم، وهذا كلُّه يُمْكِن توفُّره، لكنَّ شرطًا مهمًّا أَجِدُه قمَّة المثُل العليا الَّتِي يُلزَم بِها الْمُسلم، ألاَّ يكون هذا الحوارُ لأيِّ سببٍ، وبأيِّ حُجَّة في غرفة مسيحيَّة على الإطلاق، ومَن يفعل ذلك فهو آثِم؛ إذْ يضَع الإسلامَ في موضع لا يليق به، فما عقد النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – عهدًا أو ميثاقًا وهو مستضْعَف، ولم يَثْبت عنه – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه ذهب أو أرسل أحدًا لحوار الكُفَّار أو المشركين، إنَّما لجدالهم فقط – بِمعنى: لِدَعوتِهم – وتعريفِهم بالإسلام؛ ذلك لأنَّ المسيحيِّين لا عَهْد لهم ولا ذمَّة، حتَّى يُستأمَنوا على عدْلٍ في نقاش أو حوار، ولو حدث ذلك يكون سلوكًا بشريًّا، وليس عقَديًّا؛ لِخُلوِّ عقيدتهم من أيَّة آدابٍ، أو شروط للعهود أو الاتِّفاقات، وقد كان النجاشيُّ مسيحيًّا ولا يُظلَم عنده أحدٌ كما وصفَه النبِيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – كسلوك إنسانِيٍّ، لا وصيَّة أو التزام عقَدِي.
فأُحذِّر الشَّباب الغَيُور من دُخول هذه الغُرَف إلاَّ لِمُهمَّة واضحة ومُحدَّدة، وبتنسيق مع رِجالٍ ثقةٍ، والْجُلوس في هذه الغُرَف يتعارض مع الآية الكريمة رقم 140 من سورة النِّساء: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140]، وآثِمٌ مَن يُحاول التَّأويل والتفسير، ولَيَّ أوامرِ الله تغليبًا لِشَهوته أو حميَّته أو غيرته؛ لأن الله الذي حذَّر من الجلوس في الغُرَف هو – جلَّ وعلا – أغْيَرُ من المسلمين على دينه.
س20) ما قصَّةُ طلَبِكم من الأنبا “شنودة” الاعتذار؟ وهل بالفعل تَمَّ سَحْب الكتاب؟ وما آخر الأخبار حول ذلك؟
ج20) تَعُود قصَّةُ طلَبِي من “نظير جيد” – المدعو “شنودة” – الاعتذارَ لي، إلى مَنْهجٍ حياتيٍّ ثابت، لَم أتنازل عنه في يومٍ من الأيام، أنَّ مقام الناس عندي ليس أبدًا بِمَراكزهم الوظيفيَّة، أو الكهنوتيَّة، إنَّما بِما تراه عينايَ فيهم من تَقْوى الله، أو التفريط أو الكفر، وشنودة عندي كافرٌ مُشْرِك وثَنِي، فيكون من السَّفَه أن يُطْلَب منِّي – وأنا المُسْلِم الموحِّد لله – أن أعتذر لَه، إلاَّ أن يَرِدَ عندي نَصٌّ في ذلك.
والثَّانية: أنَّه طلب اعتذاري عن أمْرٍ لا يَخصُّه، وهو اتِّهامي بالتعدِّي على كتابه الذي يُقَدِّسُه، وظنَّ أنَّنِي أجْهَل الحقيقة الفضيحة أنَّه أرثوذكسيٌّ، بينما الكتاب الذي يقدِّسه هو وشعْبُه منذ عشرين قرنًا من الزَّمان، والذي أنا طبَعْتُ إحدى ترجَماته هو كتابٌ بروتستانتِي، وليس أرثوذكسيًّا، وما كان له أن يتدخَّل في الموضوع ابتداءً.
والثالثة: أنَّني ادَّعَيت أنَّ هذا الكتاب مزوَّر ومدلَّسٌ ومزيَّف، ولا أصل له، ولو كان لدى “نظير جيد” – المدعو شنودة – سنَدٌ واحدٌ لِتَكذيبِي، ثُمَّ اكتفى منِّي بالاعتذار فقط، لَكان خائنًا لدِينه ويَسُوعه، أمَّا وقد تَمَخَّض الجبل بعد أسبوع من الاجتماعات والمؤتَمرات، واللِّقاءات والْمُباحثات التي تابَعَتْها الصحف المصريَّةُ والعالَمية، أنَّه طلب اعتِذَاري، فهذا يَعْنِي أنَّ كلَّ ما قلْتُه في حقِّ كتابِه هو حقٌّ، وكان حريًّا بي أن أجْبر خاطر المسلمين، وأرفع رؤوسَهم فوق رأس “نظير جيد” – المدعو شنودة – واعتبَرْتُ طلبَه منِّي الاعتذارَ نوعًا من الإهانة والتعدِّي على كرامتي وكرامة المسلمين، اسْتَوجب أنْ أطلُبَ منه في بيانٍ صحفيٍّ عاجلٍ، تَمَّ توزيعُه على الكنائس والصُّحف ووكالات الأنباء، أن يعتذر لِي عن أنَّه طلب منِّي الاعتذارَ.
وأُطَمئِنُ أهلَ الإسلام أنَّ الكتاب لَم يُسحَب من السُّوق، وقد وُزِّعَتْ كمِّية كبيرة جدًّا منه، رغم أنَّ سعر النسخة (200) جنيه، والكتاب يقع في (4) مجلَّدات، وأعدُّ الآن لطبعات وترجمات غير مسبوقة، سوف تُثْري المكتبة العربيَّة كثيرًا، بعد حرمان طويل فرضَتْه الكنيسة الأرثوذكسيَّة المصريَّة، وهي الوحيدة بين كلِّ الكنائس التي تَطْبع كتابًا لنفسها حتَّى الآن، لكنَّها ارتضَتْ مؤخَّرًا النُّسخة العربيَّة المشتركة المتضمِّنة لِمُلحق الأسفار القانونيَّة الثانية، وهي النُّسخة التي يُسَمِّيها بعضُ الباحثين خطأً بالتَّرجمة الكاثوليكيَّة، مع التنبيه أنَّه قد سُحِبت النسخة العربية المشتركة التي ليس فيها الملحق، ولا توجد في السُّوق الآن على الإطلاق، إلاَّ في مركز التنوير للعَرْض وليست للبيع، وقد حُفِظت بلاغاتُهم التي تقدَّموا بها ضدِّي للنائب العامِّ، بعد التحقيق، ويبدو أنَّني سأطلب قريبًا ضَمِّي إلى الموسوعات العالَميَّة كصاحبِ أكبر عددٍ من البلاغات في حقِّه للنائب العامِّ؛ إذْ يتجاوز مجموعُها حتَّى الآن ثَمانِيَ بلاغات، كنتُ أخشى الإفصاح عنها؛ حتَّى لا يَخاف منِّي الناس، فاللَّهم احفَظْ، ومنه النَّجاة.
س21) وفي رأيكم كيف نُواجِهُ التَّنصير في مصر؟
ج21) التنصير في مصر انْحَسَر كثيرًا، لكنَّ ذلك الانحسارَ يظلُّ وصْمَة عارٍ في جبين عُلَماء وشيوخِ ودُعاة الأُمَّة، حتَّى لو كان المتنصِّر في العام شخصًا واحدًا، أو فتاة واحدة، وأرى أنَّ الجهود التي تُبْذَل الآن من شباب وفتيات خرِّيجي الأكاديميَّة ومُحاضريها، ومن شباب وفتيات الْمَواقع والمنتديات والغُرَف الإسلامية، تركِّز في الغالب الأعمِّ على فَضْح المسيحيَّة؛ كتابًا وعقيدة، وإِلَهًا وطُقوسًا وتاريخًا، وهذا جهدٌ كبير ومشكور، لا أتَمنَّى أن يتخلَّى أحدٌ عنه، إنَّما آمُلُ مِن فُضَلاء العلماء والشُّيوخ والدُّعاة، والمُعلِّمين والمثقَّفين، في كلِّ المساجد والمَجالس، وقاعات العلم والفضائيَّات – أن يَنْشغلوا وبكثافة شديدةٍ بردِّ الافتراءات، واحتراف هذا الفنِّ من فُنون الدَّعوة، وأنصحُ بشدَّة كلَّ مَن يريد دخولَ هذه الدائرة بِحضورِ مُحاضرة واحدة عندنا فيما نسمِّيه “دورةَ اليوم الواحد”؛ للوُقوف على المصطلحات الصَّحيحة، والتعرُّف على فنِّ الردِّ على الافتراءات، وهو غيْرُ ردِّ الافتراءات تَمامًا، ومن يَجِد حرَجًا في الحضور إلينا له أن يأمُرَنا بالسَّفَر إليه في أيِّ مكان بِمِصْر، على ألاَّ يقِلَّ عددُ الدَّارسين عن عشرة دُعاة في الجلسة الواحدة، وزيادة العدد مفتوحة.
أمَّا علماء الأُمَّة الفُضَلاء فلَهم الأمر بعد الله، وعليَّ الطاعة أن أذهب إليهم في زياراتٍ خاصَّة جدًّا بِحَسَب الطَّلَب أيًّا كان موقِعُهم، وأنبِّه أنَّ هذه المُحاضرات مهمَّة جدًّا ولا يُستَهان بِها على الإطلاق، ويَحتاج إليها شيوخي وإِخْوتي، وأبنائي وبناتي على “البال توك”، والمواقع والمنتديات الإسلاميَّة.
س22) ما مستقبل النَّصارى والمدِّ التنصيري في مصر؟
ج22) أخشى أن تكون إجابتي مبشِّرة، فتكون مَدْعاة للكسَل، أو التَّواكُل، وأفضل الإجابة بصورة سلبيَّة غير مباشرة، بأن أوجِّه نصيحتِي إلى الكنيسة أن تَلُوذ – وفَوْرًا – بالْتِزام الأدَبِ مع المسلمين، وعدم استِفْزازهم بِما يُثيرهم ويَزِيد من حَمِيَّتِهم للإسلام، ويُحرِّك فيهم الهِمَم السَّاكنة، خاصَّة أن الكنيسة هي المتنفَّس الوحيد الآن لِتَعبير المسلمين عن غضَبِهم واستيائهم منها وفيها، وأنَّ كثرة اتِّهاماتهم بِسَلفيَّة الحكومة أو تعاطُفِها مع المسلمين يَجْعل أفرادًا من الحكومة تتبَنَّى ذلك الفَهْم ما دامت هي في كلِّ الأحوال متَّهَمة منكم، وأن استفزازاتِكم الدائمة واحتلالَكم للأرض اغتصابًا، وبناءَكم للكنائس عَنْوة، قد يبدو اليوم في عيونكم انتصارًا، لكنَّه في المستقبل سوف يكون عليكم حسرة وندامة، مع أجيال آتية لا تَحْمل لكم في صدورها غير ما بذَرْتُم فيها من الوقاحة والسَّفالة، والتعدِّي والعناد، والعنصرية والطائفية، والإجرام والكراهية، فوالله إنَّ عددَ المسيحيِّين المتحوِّلين إلى الإسلام، خلال الشُّهور الثلاثة الأخيرة منذ خطف ابنتنا كاميليا – لَيُعادل أضعافَ أضعافِ مَن تحوَّلوا خلال عامٍ كامل، وهو ليس بالعدَدِ القليل، بل هو راعِب ومقْلِق لمستقبل الكنيسة، ومُخيف.